تعلمنا في البرمجة اللغوية العصبية أن امتلاك المهارة لا يأتي طفرة ، بل تمر المهارة بمراحل أربع قبل أن تصبح ملكة راسخة ، ولكي نعي هذه الفكرة سأستعين بضرب مثال عليها :
سأتحدث عن مهارة السباحة لمجرد التمثيل ، ولكل منا أن يطبق هذا على أي مهارة أخرى تعلمها وأجادها حتى صارت ملكة راسخة عنده :
أني لأتذكر جيدا تلك الفترة المبكرة من حياتي حينما كنت شغوفا بالتعرض للأمطار محبا للعب بالماء ، لكني حينها لم أكن أفكر أبدا في فائدة السباحة وجدوى تعلمها .
فأنا حينذاك ليست لدي مهارة السباحة وليس لدي وعي بأهميتها .
ثم فيما بعد أتذكر أني رأيت برنامجا عن الألعاب الأولمبية كان يركز كثيرا على رياضة السباحة فبدأ التفكير في السباحة ومتعتها و فائدتها تشغل حيزا من ذهني وفي الوقت نفسه اقتنيت كتابا مصورا يتحدث عن بعض فنون السباحة وطرائقها .
فلقد تكون لدي في تلك الفترة وعي جيد بأهمية هذه المهارة رغبة قوية في تعلمها ، لكن رغم أن لدي هذا الوعي والرغبة إلا أني لم أتعلم شيئا بعد .
ثم جاءت بعد ذلك مرحلة أخرى هي المرحلة التي بدأت فيها فعليا أتعلم السباحة شيئا فشيئا ، و لست أنسى أبدا حذري الشديد وخوفي من الغرق وانتباهي الواعي لكل توجيهات المدرب سماعا وتطبيقا في الحركة والتنفس ، لقد كنت مستمتعا بخوض التجربة لكن أعصابي كانت مشدودة وحذري كان شديدا و انتباهي كان مركزا وبالطبع كانت أخطائي كثيرة وكنت أحاول تجاوزها .
إنني عندها كنت أمارس المهارة لكن بوعي مركز وانتباه تام وحضور ذهني دائم .
وبعد فترة التدريب جاءت مرحلة قل فيها تركيزي الشديد و تبدد فيها خوفي وحذري ، وصرت أمارس هذه المهارة وأستمتع بها وأؤدي كل حركاتها اللزمة بشكل تلقائي دون تركيز ذهني ، بل ربما مارست السباحة وأنا منشغل الذهن بأفكار أخرى لا علاقة لها بالسباحة .
إنها مرحلة امتلكت فيها المهارة وصرت أمارسها بشكل تلقائي دون أن ينشغل وعيي بتفاصيلها الدقيقة .
وبناء على هذا فإن المراحل التي مررت بها لامتلاك هذه المهارة أربع مراحل :
الأولى : مرحلة عدم الوعي و عدم المهارة ، حين كنت لا أمتلك المهارة و لا أعي أهميتها .
والثانية : مرحلة الوعي مع عدم المهارة ، حين بدأت أعي أهميتها لكني لم أمارسها بعد .
والثالثة : مرحلة المهارة مع الوعي ، حين بدأت أتعلم هذه المهارة بوعي تام وانتباه شديد .
والرابعة : مرحلة المهارة مع عدم الوعي ، حين صرت أستمتع بممارسة هذه المهارة بشكل تلقائي دون وعي بتفاصيل ما أقوم به .
إن تعلمك لأي مهارة في الحياة يمر بهذه المراحل الأربع ، ولو تأملنا في ذلك بشكل دقيق لعرفنا كم نخطئ كثيرا في أساليبنا التربوية التي نمارسها فقد نبدأ في تعليم أبنائنا أو طلابنا بعض المهارات دون أن نقدم بما يحفز الوعي لهذه المهارة ويرغب النفس لتعلمها ، فيتعلم الناشئ بعض المهارات دون وعي بفائدتها و أهميتها فيكون قد قفز من المرحلة الأولى إلى الثالثة ، و هذا لا شك سيجعل هذه المهارة غير ذات قيمة في نظره ولن يؤديها بالحرص الذي تستحقه ، ومن هنا نجد في الواقع أن أكثر المهارات التي تتضمنها المناهج التربوية لا تتحول لدى المتعلمين إلى مهارات حياتية ، لأنهم لم يتعلموا بدافع الرغبة الذاتية والوعي بأهميتها و إنما تعلموها لأنها ضمن محتوى المناهج الملزمة . فلذلك لم تتحول إلى خبرة مختزنة في العقل الباطن وملكة راسخة لدى المتعلم .
وقد نقع في خلل آخر هو الوقوف عند حد المرحلة الثانية على ضعف أيضا ، فنكتفي بالتعريف بالمهارة نظريا مع عرض ضعيف لأهميتها في الحياة ، ولا نتجاوز الجانب النظري إلى التطبيق العملي المركز ، وهذا خطأ فادح فلا يمكن أبدا أن أكسبك مهارة دون أن أدربك عليها ، فالمعلومات النظرية المجردة لا يمكن أن تصنع منك سباحا ماهرا أو طبيبا حاذقا أو مهندسا أو تاجرا أو غير ذلك لأن مثل هذه المهارات لا تتأتى إلا بالتطبيق العملي الواعي الطويل المدى الذي ينقل هذه المهارة تدريجيا إلى العقل الباطن فيصبح بذلك خبرة وملكة .
إن علينا أن نراجع حساباتنا ونعيد النظر في مناهجنا التربوية كماً و كيفاً ، فخير لي ألف مرة أن أتعلم مهارة واحدة فأجيدها من أن أتعرف على مائة مهارة دون أن أجيد واحدة منها .
هذه المعلومة بناءً على سؤال أحد الاعضاء
.. سائر في ربى الزمن ..
تحياتي للجميع
المفضلات