العقيدة الاسلامية - اسماء الله الحسنى - الدرس (008-100)أ : اسم الله الشاكر 1لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2007-06-02


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
مع اسم من أسماء الله الحسنى: ( الشاكر ):
1 – ورودُ اسم ( الشاكر ) في القرآن:
أيها الإخوة الأكارم، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى، والاسم اليوم هو: ( الشاكر )، فقد ورد هذا الاسم في القرآن الكريم في موضعين، الموضع الأول قوله تعالى:
﴿ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (158) ﴾
( سورة البقرة)
والموضع الثاني:
﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (147) ﴾
( سورة النساء )
ولم يرد هذا الاسم في السنة المطهرة.
2 – اسم ( الشاكر ) علَمٌ متضمِّن لصفات الكمال:
وهذا الاسم يفيد المدح والثناء، مراداً به العلمية، دالاً على كمال الوصفية.
حقائق بين يدَي اسم ( الشاكر ):
الحقيقة الأولى: الإحسان إلى المخلوق جزاءه دنيوي وأخروي:
أيها الإخوة، الحقيقة الأولى في هذا الموضوع:
ما من إحسان يقدم إلى مخلوق كائناً من كان أو كائناً من كان، ما من إحسان يقدم إلى مخلوق عاقل أو غير عاقل إلا سيكافئ الله من أحسن هذا الإحسان في الدنيا أو في الآخرة، وما أحسن عبدٌ من مسلم أو كافر إلا وقع أجره على الله في الدنيا أو في الآخرة، ومستحيل وألف ألف ألف مستحيل أن تقدِّم عملاً طيباً لأيّ جهة في الأرض، لأيّ كائن في الأرض، ثم لا تجد من الله مكافأة ؛ إن في الدنيا أو في الآخرة.
أيها الإخوة الكرام، هذه الحقيقة الأولى، لأنك إذا تلقيت معروفاً من إنسان، ولأنك مؤمن، ولأنك على شيء من الكمال لا تملك إلا أن تشكره، لا تملك إلا تبتسم له، لا تملك إلا أن تمتن له، لا تملك إلا أن تثني عليه، فكيف بصاحب الكمال المطلق ؟ فكيف بخالق السماوات والأرض ؟ فكيف بالذي هو صاحب الأسماء الحسنى والصفات الفضلى.
أيها الإخوة الكرام، هذه أول حقيقة، إذا أحسنت إلى مخلوق ما، كائناً بشرياً أو حيوانا أو نباتًا فهذا الإحسان محفوظ عند الله، تكافَأ عليه في الدنيا أو في الآخرة أو في الدنيا والآخرة، ولا يضيع عند الله شيء.
هذه الحقيقة الأولى لهذا الاسم العظيم.
الحقيقة الثانية: كيف يشكرك الله عزوجل ؟
الحقيقة الثانية، أنت حينما يقدم إليك معروف تشكر بلسانك تقول له: شكراً، جزاك الله خيراً، والإله العظيم إذا قدمت إلى أحد عباده معروفاً، تعرفه أو لا تعرفه، عرف أو لم يعرف فإنه يشكرك.
سيدنا عمر مرة جاءه رسول من معركة نهاوند، وحدثه عن المعركة، ثم قال هذا الرسول: يا أمير المؤمنين، مات خلْقٌ كثير، قال: مَن هم ؟ قال: إنك لا تعرفهم، فبكى عمر، وقال: وما ضرهم أني لا أعرفهم إذا كان الله يعرفهم.
لا يمكن أن يضيع عند الله شيء، مهما تصورت العمل قليلا أو صغيرا، ومهما كانت قيمته تافهة فهو عند الله محفوظ، وإذا أسدي إليك معروف تشكر بلسانك، أو تمتن بقلبك، أو تقدم له مكافأة، أو هدية أو عمل أو تقدم له خدمة.
هذا الإله العظيم صاحب الأسماء الحسنى والصفات الفضلى، كيف يشكرك ؟ جاءت الآية لتبين بالتعبير المعاصر آلية الشكر، قال تعالى:
﴿ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ (7) ﴾
( سورة إبراهيم )
معنى الزيادة في قوله تعالى: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ
المعنى الأول:
الزيادة إما من نوع الذي قدمته، قدمت مالاً، فالله عز وجل شكره لك أن يزيد لك مالك، قدمت له وقتاً، شكر الله لك أن يبارك في وقتك، قدمت له من جهدك، شكر الله لك أن يسخّر من يقدم لك جهداً، ومستحيل أن تفعل معروفاً دون أن ترى الجزاء.
أيها الإخوة الكرام، لو أخذنا المال، إن قدمت مالاً فالله يشكرك بأن يزيد في مالك، والآية التي تصدق على كل حالات الشكر:
﴿ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ (7) ﴾
( سورة إبراهيم )
لذلك قال تعالى: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261) ﴾
( سورة البقرة)
عبدي: (( أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ ))
[ ابن ماجه عن أبي هريرة ]
(( أنفق بلال، ولا تخشَ من ذي العرش إقلالا ))
[ الطبراني في المعجم الكبير والأوسط بسند حسن عن أبي هريرة ]
الله يعلم المحسن ويخلف عليه مالَه:
لكن لاحظ الإنسان لما يذهب إلى مريض ؛ دون أن يشعر هو حريص حرصاً بالغاً أن يضع بطاقة في داخل الهدية ليتأكد أنهم إذا فتحوا هذه الهدية، ويرون مَن الذي أرسل هذه الهدية، فأنت حريص على أن يعلم مَن قدمت له الهدية أنها منك، فلا تكتفي أن تعطيها لابنه، ولا تكتفي أن تضع البطاقة على ظاهر الهدية فقط فتسقط، بل تضعها في داخل الهدية كي تتأكد أن الذي قُدِمَت له هذه الهدية عرف من أين جاءته، والله عز وجل يقول:
﴿ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ (270) ﴾
( سورة البقرة)
طمأنك الله عز وجل أنّ أيّ عمل صالح تقدمه لمخلوق كائناً مَن كان هو في علم الله، ومع الله لا تحتاج إلى بطاقة ؛ أن هذا العمل من فلان. ﴿ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ (270) ﴾
( سورة البقرة)
هذه الحالة الأولى، أنت بحاجة إلى أن تتأكد أن هذا العمل الذي قمت به بعلم الله، والإنسان كما قال الله عز وجل يحب المال: ﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ (14) ﴾
( سورة آل عمران)
في أصل كيانك فُطرتَ على حب المال، والبشر جميعاً من دون استثناء يحبون المال، لكن بعضهم يصرّح، وبعضهم لا يصرّح، لكن الذي لا يصرّح هو يحب المال كالذي يصرّح، هذه جِبِلّة فينا، ولأننا نحب المال كان إنفاق المال عملاً ثميناً، لأنك تنفق شيئاً تحبه.
كما تعلمون الإنسان جُبِلَ على طبع، ومعه تكليف، طبعه أن يأخذ المال، والتكليف أن ينفقه، طبعه أن يبقى نائماً، والتكليف أن يستيقظ، طبعه أن يملأ عينيه من محاسن النساء، والتكليف أن يغض البصر، طبعه أن يخوض في فضائح الناس، والتكليف أن يسكت، فلذلك الله عز وجل يقول لك:
﴿ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ (39) ﴾
( سورة سبأ)
هؤلاء الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ألا تكفيهم هاتان الآيتان، الله يعلم وهو يخلف، وما نقص مال من صدقة:
(( يا عبدي، أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ ))
[ الترغيب والترهيب بسند صحيح ]
(( أنفق بلال، ولا تخشَ من ذي العرش إقلالا ))
[ الطبراني في الكبير والبزار عن أبي هريرة بسند صحيح ]
(( صدقة السر تطفئ غضب الرب ))
[ أخرجه ابن عساكر عن ابن عباس ]
(( الصدقة تقع في يد الله قبل أن تقع في يد الفقير ))
[ الطبراني عن أبي أمامة بسند ضعيف ]
(( باكروا بالصدقة، فإن البلاء لا يتخطاها ))
[ الجامع الصغير عن علي بإسناد ضعيف ]
والقصص التي تروى في هذا الموضوع واللهِ لا تعد ولا تحصى، حتى إن المؤمن ليخجل من الله.
سيدنا عبد الرحمن بن عوف من كبار الصحابة، كان ذا مال وفير، مرة بلغه أنه سوف يدخل الجنة حبواً، قال: << والله لأدخلنها رملاً، وما عليّ إذا كنت أنفق مئة في الصباح فيؤتيني الله ألفاً في المساء ؟ >>.
(( أنفق بلال، ولا تخشَ من ذي العرش إقلالا ))
أنا أتمنى عليكم أن تسألوا محسنا عما حصل له بعد إنفاق المال، يا بني، العلم خير من المال، لأن العلم يحرسك، وأنت تحرس المال، الإنسان يحرسه الله بالعلم، لكن المال إذا أنفقته في الحسابات في الآلة الحاسبة يقلّ، لكن برحمة الله يزيد، فلذلك نحن قد نغفل في حياتنا حسابات البركة، فإذا أنفق الإنسان ماله بارك الله له في ماله، والحد المعقول أنه يرزقه رزقاً سلبياً، ما هو الرزق السلبي ؟
الحد الأدنى أن يحفظه من أمراض وبيلة، من ظلم ظالم، من مصادرات، من مخالفات، من بطش الأقوياء، من تدمير، من حريق، من خراب، هذا رزق سلبي، وأحيانا الله عز وجل يبارك له في ماله، فبمال معقول يحقق أهدافا كبيرة جداً، هذا من مكافأة الله للمحسن، يحفظه، ويبارك له في ماله.
أيها الإخوة الكرام، هذان باعثان لإنفاق المال، أن الله يعلم، وأن الله يخلف على المنفق ماله، أي: يضاعف له هذا المال أضعافاً كثيرة، وبمكن أن تتعامل مع الله بآيات القرآن الكريم، ويمكن أن تتعامل معه بطريقة عملية، فإذا اقتربت منه بنفقة كافأك مكافأة كبيرة.
والله مرة حدثني أخ توفي أحد أقربائه، فزار أولاده، وقال لهم: دَيْن أبيكم عليّ، لكنه لا يعلم كم الدين، وهذا خطأ منه، توقعه بعشرات الألوف، فإذا هو بمئات الألوف أقسم لي بالله أن دفع مبلغا قريبا من أربعمئة ألف ليرة، بالتمام والكمال، وحدثني عن قصته في صحن المسجد، وبكى، قال: والله بعد أيام جاءني مبلغ من صفقة لبضاعة كاسدة نصيبي من هذه الصفقة المبلغ الذي دفعته.
أحيانا تتعامل مع الله بالتعامل اليومي: ﴿ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ (270) ﴾
( سورة البقرة)
﴿ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ (39) ﴾
( سورة سبأ)
هذه الحقيقة الأولى، شكر الله لك، الله شاكر، إذا أنفقت من مالك يزيد لك مالك، وما نقص مال من صدقة.
(( أنفق بلال، ولا تخشَ من ذي العرش إقلالا ))
(( يا عبدي، أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ ))
المعنى الثاني:
المعنى الثاني أيها الإخوة، أيّ عمل صالح اتجاه أيّ مخلوق، كائناً من كان هو قرض لله حسن، وهناك آية قرآنية الذي يقرأها من المؤمنين يقشعر جلده:
﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً (245) ﴾
( سورة البقرة)
الله عز وجل عدّ أيّ عمل صالح، ولو اتجاه حيوان، ولو اتجاه نبات، سقيت نباتا، هذا العمل يضاعف لك جزاءه أضعافاً كثيرة، فأنت معرّض كل يوم أن تقرض الله قرضاً حسناً، هذا معنى دقيق جداً، الإله العظيم يقول لك: يا عبدي، أقرضني، اعتنِ بهذا المخلوق، أطعم هذا الجائع، اكسُ هذا العاري، عالج هذا المريض، هناك أصحاب حرف مؤمنون يقدمون جزءا من خبراتهم لوجه الله.
أبوابُ العمل الصالح لا تعدّ ولا تُحصى:
حدثني طبيب أسنان جاءته مريضة تحتاج إلى تقويم لأسنانها، وهي معلمة، ودخْلها محدود جداً، والمبلغ فوق طاقتها، فبعد أن اعتذرت عن متابعة المعالجة للرقم الكبير ناداها، قال: هل تقبلين هذا التقويم هدية مني ؟ يقسم لي بالله العظيم أنه أمضى ستة أشهر وكأنه في الجنة.
أحيانا هناك مكافأة من نوع ثانٍ، الله يكافئك بسعادة، بطمأنينة غير المكافأة المادية، أنت مفطور على حب وجودك، وعلى حب سلامة وجودك، وعلى حب كمال وجودك، وعلى حب استمرار وجودك.
دققوا أيها الإخوة الكرام، سلامة وجودك بطاعة الله، والطاعة الاستقامة، والاستقامة سلبية، والاستقامة تسبقها ( ماءات ) جمع ما النافية، ما أكلت مالاً حرامًا، ما كذبت، ما غششت، كلها ( ماءات )، الاستقامة تحقق لك السلامة، أما كمال الوجود فلا تكفيه الاستقامة، يحتاج إلى بذل، بذل من وقتك من مالك، من خبرتك، كمال الوجود يحتاج إلى بذل، إلى عطاء من وقتك، من مالك، من خبرتك، لذلك:
﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110) ﴾
( سورة الكهف )
أضرب مثلا لعلّي أذكره كثيراً: مجنَّد غرّ التحق بقطعة عسكرية، القطعة جزء من لواء كبير، أو من فرقة كبيرة على رأسها لواء أركان حرب، هذا الجندي الغر لا يستطيع الدخول على هذا اللواء الكبير بحكم التسلسل العسكري، هناك سبعة أمامه، وسبعتان، عريف أول، و ثمانية، وثمانيان، ونجمة ونجمتان، وتاج ونجمتان، لكن هذا المجند الغر الذي التحق منذ التطوع بإمكانه أن يدخل على اللواء من دون إذنٍ إذا وجد ابنه يسبح، وكان يغرق فألقى بنفسه في الماء وأنقذه، فهْمكم كفاية.
إذا خدمت إنسانا، أطعمت جائعا، كسوت عاريا، لبَّيت حاجة إنسان، أنت موظف، جاءك مراجع من محل بعيد، ونفقة الإقامة غالية جداً، وجمدت أعمالك كلها وخدمته، مستحيل أن يضيع هذا عند الله، فلذلك صنائع المعروف تقي مصارع السوء.
أيّ عمل تقدمه لأيّ مخلوق يعدّ قرضاً حسناً لله عز وجل:
﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً (245) ﴾
( سورة البقرة)
أنت معرّض كل يوم إلى تلبية حاجات الناس، سائل سألك، مريض استعان بك، إنسان ضال في الطريق قال لك: أين بيت فلان ؟ وهو غريب، فأَعَنته على الوصول إلى البيت، والقصص والله لا تعد ولا تحصى.
إنّ الذين تعاملوا مع الله ذاقوا من الله المكافأة، المكافأة النفسية، والمكافأة المادية بالعطاء، لذلك حينما يكون الإنسان محسناً، وتأتيه الخيرات من كل جانب هذا بسبب إحسانه، وأنت مهمتك في الحياة أن تعبد الله، ثم أن تشكره، لأنك إن عبدته فسوف تأتي الخيرات من كل جانب.
﴿ بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (66) ﴾
( سورة الزمر )
تنتهي مهمتك أن تعبده العبادة الصحيحة، الصادقة، والعبادة الصحيحة الصادقة جزء منها العمل الصالح، والكلام الدقيق: حجمك عند الله بحجم عملك الصالح.
اسأل نفسك: ماذا قدمت للأمة ؟ إذا قدمت لها صناعة متقنة، صار عملك عبادة، لذلك قالوا: العمل الذي ترتزق منه إذا كان في الأصل مشروعاً، وسلكت به الطرق المشروعة، وابتغيت منه كفاية نفسك وأهلك، وخدمة الناس عامة، والمسلمين خاصة، هذا العمل الحرفي المهني لم يشغلك عن طاعة، ولا عن أداة صلاة، ولا عن طلب علم، انقلب على عبادة، لذلك المؤمن عاداته عبادات، والمنافق عباداته سيئات، عباداته الخالصة، صلاته يرائي بها، المؤمن عاداته وأحواله المعيشية، جاء بطعام لبيته، أخذ أهله إلى نزهة، تسجل عند الله عبادة، لأن هدفه إرضاء الله عن طريق خدمة عباده ؟
خاتمة:
فلذلك أيها الإخوة الكرام، أي عمل صالح يقدم لأي مخلوق كائناً من كان هو عند الله قرض حسن لله.
إذا قال ملِكٌ، أغنى ملوك الأرض لمواطن فقير: أقرضني مئة ليرة، ماذا تفهم منها ؟ أراد أن يعطيه بيتاً، بيتا كاملا، أراد أن يكون لهذا العطاء سبب، أقرضني مئة ليرة، هل هذا القرض حقيقي ؟ أم أراد من هذا القرض أن يمتحن محبته، وأن يكافئه على هذا القرض بمنزل فخم جداً هدية.
﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً (245) ﴾
( سورة البقرة)
أحياناً يكون العمل صغيرا أمامك، تبسمتم في وجه موظف عندك، فقط ابتسامة، سألته عن أحواله: كيف حالك يا بني ؟
هناك موظف عبوس قمطرير، يدخل إلى مكتبه له هيبة وكهنوت، وهناك مدير عام متواضع، فإذا ابتسمت في وجه من يعمل معك، إذا ابتسمت في وجه خادم عندك، سألته عن صحته، تبسمك في وجه أخيك صدقة، أن تميط الأذى عن الطريق هو لك صدقة، مهما توهمت العمل صغيراً فهو عند الله كبير.
جاء أعرابي النبيَّ عليه الصلاة والسلام، قال: يا رسول الله، عظني ولا تطل، تلا عليه النبي عليه الصلاة والسلام فقرة من سورة:
[ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه ]، قال: كُفيت، فقال عليه الصلاة والسلام: فَقُه الرجل، أي صار فقيها ما قال: فَقِهَ، فَقِهَ عرف الحكم، قال فَقُه، يعني أصبح فقيهاً.والحمد لله رب العالمين