د. فايز بن عبد الله الشهري
ربما يكون من حق المسئول - أي مسئول- أن يغضب في حال نشر أسرار إدارته على شبكة الانترنت، ولعلّ من واجب الواعظ أن يسخط على من تسببوا في انحطاط الأخلاق، وفي ذات السياق نقول أيضا إن من حق الأب أن يعنّف من افسدوا سلوك ابنه، ولكن أن يكون الخطاب المجتمعي وخاصة ذلك المتسيد على المنابر وفي تقارير المسئولين شاتما رافضا للشبكة العالمية للمعلومات ومنتقصا لدورها وأثرها الايجابي في الحياة فهذه مسألة فيها أكثر من نظر.
الحقيقة التاريخية تقول إن الشبكة ظهرت جماهيرية للعالم بوصفها «وسيلة الوسائل» إذ يسكنها ويتجول في أروقتها أكثر من مليار ونصف المليار إنسان وهم في يتزايدون بمعدلات نمو كبيرة. وبالنظر محليا - وعلى الرغم من أن إحصاءات هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات السعودية قد تجمدت! عند شهر ديسمبر 2006م - (موقع الهيئة يشير إلى أن الحقوق محفوظة لعام 2007!؟) إلا أن الإحصاءات الدولية الحديثة تكشف عن وجود أكثر من ستة ملايين وربع المليون مستخدم في المملكة بنهاية عام 2008م.
وعلاوة على ما تقدم فالانترنت أيها الحانقون عليها تحوي أكثر من 5 مليون «تيرا بايت» (5 تيرليون ميغابايت) من المعلومات في كل العلوم وبكل لغات العالم تقريبا. وتشير التقديرات المتواضعة إلى وجود أكثر من 155 مليون موقع (وما يزيد عن بليون صفحة مفهرسة بحسب مصادر «قوقل») وتتوزع هذه الثروات وقواعد البيانات المرتبطة بها على أكثر من 75 مليون «سيرفر» حول العالم.
ووفقا لهذه المعطيات فكيف يسمح مسئول حانق أو كاتب متعجل أو حتى واعظ متحمس لنفسه أن يلخّص هذا المنجز الإنساني العظيم في كلمات شائنات لا تليق بعصر الانترنت وكأن الشبكة هي بذاتها صانعة الخراب ومصدر الفساد، إن المسألة الأخلاقية الالكترونية التي أشغلتنا هي في كل الأحوال مخرجات مجتمعية وعيوب ثقافية منا والينا مرجعها كل ما في الأمر أن شبكة الانترنت نجحت وحدها في أن تضعها كما هي دون «تزويق» أمام العقلاء ليبحثوا في الجذور والمسببات لا ليلعنوا الوسيلة التي كاشفتهم بما يجري تحت سطح النفاق والتستر الاجتماعي.
إن كل هذه الجلبة على شبكة الانترنت وكل هذا التشاتم بسبب ما تنشره مواقعها ومنتدياتها لا يحل القضية ولا يشخص المرض وأكثر ما يخشاه الراصد المتأمل أن يؤدي بنا الحال مع استمراء هذا الصراخ إلى تحويل كثير من هذه العلل إلى ظواهر نعتادها ومن ثم تتشكل في حياتنا الاجتماعية تلقائيا لتصبح ضمن حقائق المجتمع السلبية المتراكمة دون حلول.
ترى ما جدوى تواصل متعة استنكار «حرية» محتوى الانترنت وما نفع التدافع لتوسيع مساحة ضوضاء الاحتجاج على «خفافيش الانترنت» كما يحلو لبعضنا أن يسميهم ناسيا أن هؤلاء – هم منّا - يأكلون معنا ويتنفسون هواءنا ويعبرون عن بعض ما فينا من أوجاع ونقائص شاء من شاء وأبى من أبى.
وخلاصة الكلام أن الحلول – إن أردنا الفلاح- لا يمكن أن تبدأ بشتيمة الانترنت ولعن التقنية ووسائلها بل بالبدء ببناء الذات والقدرات من خلال بناء الشخصية الفردية منذ سنوات التلقي الأولى على أن نولي الاهتمام للقدوة في المنزل والحياة ونخفف من حدّة تناقضاننا حتى ينمو الطفل الذي يراقبنا في بيئة صحية يستلهم منها كل قول جميل وسلوك سوي.
مسارات قال ومضى: عجبت لمن يقضي نصف يومه (متآمرا) والنصف الثاني (مداهنا) لإخفاء آثاره.
المفضلات